الأربعاء، 15 يونيو 2016

غض البصر في رمضان

                                     غض البصر


مما لا شك فيه أن البصر من أعظم المنافذ إلى القلب، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكلِّ ما يخشى الفتنة من أجله، ونقصد بغض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه 
ولا ينظر إلا لما هو مباح له النظر إليه ، وإن وقع نظر المسلم على مُحَّرمٍ من غير قصد فليصرف بصره سريعا ولا يتمادى في النظر.


     القرآن يأمر بغض البصر:


لما كان النظر من أهم المنافذ إلى القلب، ولما كان إطلاقه بغير قيد ولا ضابط قد يوقع الهوى في قلب صاحبه، ويجعله يقع في شَرَك الفواحش والفتن، فقد أمر الله بغض البصر حتى يأمن العبد عواقب السوء:

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا 

يَصْنَعُونَ).

ونلحظ هنا أن الله تعالى قد جعل الأمر بغض البصر مقدما على حفظ الفرج، لأن كل الحوادث مبدؤها من النظر كما قيل:

كل الحوادث مبدأها من النظر   ومعظم النار من مستصغر الشرر
  
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها   فتك السهام بلا قوس ولا وتر
  
والعبد ما دام ذا عين يقلبها       في أعين الغيد موقوف على الخطر
  
يسر مقلته ما ضر مهجته       لا مرحبا بسرور عاد بالضرر


  
والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرك بغض بصرك:


فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم"
.
بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم غض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم:

" إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدث فيها. فقال: " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".
ـ وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيه صلى الله عليه وسلم فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها.

وقد علق ابن القيم رحمه الله على ذلك فقال:

وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.


نظر الفجأة:


قد يسير الإنسان في طريق أو يكون في مكان به آخرون فيقع بصره على ما حرم الله تعالى بغير قصد منه فهذا ما يسمى بنظر الفجأة، والواجب في هذه الحالة أن يصرف بصره، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري"
.
وهذا أنفع علاج وأسرعه أن يصرف العبد بصره ولا يستديم النظر فإن من استدام النظر أثم وتعدى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عليُّ لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".






والنساء مأمورات بغض الأبصار:


فإن الله عز وجل يقول:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..)الآية.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "... وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن.."الحديث.


عناية السلف بغض البصر:


لقد عني السلف الصالح رضي الله عنهم بغض البصر عناية عظيمة فوجدنا منهم مواقف ومواعظ في هذا الباب تنبئ عن علو همتهم في هذا، ومن ذلك قول أنس رضي الله عنه: إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك".

وقال بعضهم: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته.

وكان سفيان رحمه الله إذا خرج في يوم العيد قال: إن أول ما نبدأ به اليوم غض أبصارنا.

ولما قال رجل للحسن رحمه الله: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال: اصرف بصرك.

وقال ابن مسعود: الإثم حوَّاز القلوب (يحز في القلوب) وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع
.
وكان الربيع بن خثيم يغض بصره فمر به نسوة فأطرق ( أي أمال رأسه إلى صدره) فظن النسوة أنه أعمى وتعوذن بالله من العمى.


من فوائد غض البصر


ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عدة فوائد ومنها:

1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته.

2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.

3- أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، قال شجاع الكرماني: من
 عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف 
نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته.
4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم.
5- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
7- أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكه أقرب.
8- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل:

وأعقل الناس من لم يرتكب سببا          حتى يفكر ما تجني عواقبه
9- أنه يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق.





نسأل الله الكريم أن يوفقنا لطاعته ، والحمد لله رب العالمين.

لا يقبل الصيام مع تضييع الصلاة

                        لا يقبل الصيام مع تضييع الصلاة


    هل يجوز الصيام بدون صلاة ؟.

الحمد لله
تارك الصلاة لا يقبل منه عمل ، لا زكاة ولا صيام ولا حج ولا شيء .
روى البخاري (520) عن بُرَيْدَة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) .
ومعنى "حبط عمله" أي : بَطَلَ ولم ينتفع به . فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً ، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء ، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث في كتابه الصلاة (ص/65) :
" والذي يظهر في الحديث ؛ أن الترك نوعان : تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العملُ جميعُـه ، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ " اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص87) عن حكم صيام تارك الصلاة ؟
فأجاب :
تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبول منه ؛ لأن تارك الصلاة كافر مرتد ، لقوله تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) التوبة/11. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ) رواه مسلم (82). ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) رواه الترمذي (2621) . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعا منهم ، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين : كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول ، ولا نافع له عند الله يوم القيامة ، ونحن نقول له : صل ثم صم ، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك لأن الكافر لا تقبل منه العبادة اهـ .
وسئلت اللجنة الدائمة (10/140) إذا كان الإنسان حريصا على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط ، ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام ؟
فأجابت :
الصلاة ركن من أركان الإسلام ، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان ، ومن تركها جاحدا لوجوبها أو تركها تهاونا وكسلا فقد كفر ، وأما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعة لله ، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان ، بل هم كفار بذلك كفرا أكبر وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء اهـ .

فوائد الصيام على جسم الإنسان

  الصيام وفوائده الصحية على جسم الإنسان


معلوم أن الصيام له أجر كبير في ديننا الإسلامي، ولكن كثيرا من الناس يجهلون فوائد الصيام الصحية والوقائية للجسم وأن له دورا كبيرا في المساعدة على التخلص في كثير من الأحيان من بعض الأمراض الوظيفية، في هذا المقال سوف نستدرج الفوائد الصحية للصيام على الجسم.
يقول تعالى في كتابه الكريم: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (البقرة 183)، ويقول جل وعلا: وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (البقرة 184)، فهل اكتشف العلم الحديث السر في قوله تعالى وأن تصوموا خير لكم ؟
إن الطب الحديث لم يعد يعتبر الصيام مجرد عملية إرادية يجوز للإنسان ممارستها أو الامتـناع عنها، بل إنه، بعد الدراسات العلمية والأبحاث الدقيقة على جسم الإنسان ووظائفه الفسيولوجية، أثبت أن الصيام ظاهرة طبيعية يجب على الجسم أن يمارسها حتى يتمكن من أداء وظائفه الحيوية بكفاءة، وأنه ضروري جدا لصحة الإنسان تماما كالأكـل والتنفس والحركة والنوم. وكما يعاني الإنسان بل كما يمرض إذا حرم من النوم أو الطعام لفترات طويلة، فإنه كذلك لا بد أن يصاب بسوء في جسمه لو امتنع عن الصيام، وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبارة عن وصية "صوموا تصحوا" روراه الطبراني.
والسبب في أهمية الصيام للجسم هو أنه يساعده على القيام بعملية الهدم التي يتخلص فيها من الخلايا القديمة وكذلك الخلايا الزائدة عن حاجته، ونظام الصيام المتبع في الإسلام - والذي يشتمل على الأقل على أربع عشرة ساعة من الجوع والعطش ثم بضع ساعات إفطار - هو النظام المثالي لتنشيط عمليتي الهدم والبناء، وهذا عكس ما كان يتصوره الناس من أن الصيام يؤدي إلى الهزال والضعف، بشـرط أن يكون الصيام بمعدل معقول كما هو في الإسلام، حيث يصوم المسلمون شهرا كاملا في السنة ويسن لهم بعد ذلك صيام ثلاثة أيام في كل شهر كما جاء في سنة النبي صـلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والنسائي عن أبي ذر رضي الله عنه: "من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر" ، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، اليوم بعشرة أيام.
أما من الناحية العلمية الصحية فإن الصيام له فوائد عظمى على الصحة، حيث يساعد على التخلص من الشوائب المتراكمة في جسم الانسان.

الفوائد الصحية للصيام

هناك عدة فوائد للصيام على مستوى الجهاز الوظيفي ومنها:

الكلى

يؤدي الصوم إلى تنقية الكلى والمسالك البولية ويعطيها الوقت المناسب لتجديد ترسانتها الخلوية كي تكون على أهبة الاستعداد لتأمين ما هو مطلوب منها، أي تصفية الدم وطرح البول لطرد الشوائب والسموم، كما أن الصوم يمثل علاجاً مهماً في العديد من الإصابات الكلوية والبولية.

سكر الدم

ينظم الصوم إفراز هرمون الأنسولين الذي تنتجه غدة البنكرياس وهذا له أثره الإيجابي على مستوى السكر في الدم بحيث يبقى ضمن إطاره الطبيعي. والمعروف أن الإكثار من الطعام يلقي عبئاً ثقيلاً على غدة البنكرياس التي تفرز هرمون الأنسولين الحارق للسكر، وهذا العبء قد يؤدي مع مرور الوقت إلى عجز الغدة عن القيام بوظيفتها فيتكوم السكر في الدم ويرتفع فوق الحدود المرسوم له ما يعني طبياً الإصابة بداء السكري. إن الإحجام عن تناول الطعام يسهم في ضبط معدل السكر في الدم بحيث يعود إلى مستواه الطبيعي.

الأوعية الدموية

إن الصوم يقلل من نسبة الفضلات والدهون الجائلة في الأوعية الدموية، خصوصاً في الشرايين، ما يسهل تجوال الدم في داخلها، من دون عثرات ولا عوائق. إن الصوم يحد من إفراز هرمونات الغضب (الأدرينالين والنورادرينالين) التي تؤدي إلى تأجيج أرقام الضغط الشرياني نحو الأعلى.
مسك الختام أن فوائد الصيام أمر لا يختلف عليه اثنان، والبراهين على ذلك متعددة، ولكن مهلاً عزيزي الصائم؛ فلكي تحصد الفوائد والمنافع المنتظرة من الصوم لا بد من التقيد بالشروط الآتية:
- اتباع نظام غذائي جيد ومتوازن يؤمن للجسم احتياجاته.
- عدم المبالغة في التهام الطعام وإلا فعلى الصحة السلام، لأن كثرة التهام المأكولات تؤدي إلى إلغاء العديد من المنافع الصحية للصيام، هذا إن لم تنتفع بها كلها.
- عدم الأكل بعد وجبة العشاء فهذا يسبب العديد من الأمراض الوظيفية.
- عدم كثرة النوم.
"تسحروا فإن في السحور بركة" كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.